القائمة الرئيسية

الصفحات

تقييم نظام التجارة الدولية فى ظل قاعدة الذهب



تقييم نظام التجارة الدولية فى ظل قاعدة الذهب

كما ذكرنا بدأ نظام التجارة الدولية فى ظل قاعدة الذهب في الانتشار في الثلث الأول من القرن التاسع عشر باتخاذ بريطانيا لها كقاعدة نقدية بقانون صدر في 1819 وأصبح ساري المفعول في سنة 1821. وبحلول عام 1870 لحقت بها بعض الدول الأخرى مثل ألمانيا ، فرنسا والولايات المتحدة حتى جاء عام 1900 الذي أضحت فيه جميع الدول تقريبا تأخذ بقاعدة الذهب باستثناء الصين والمكسيك اللتان  فضلتا قاعدة الفضة. silver standard

 ولقد عرف العالم لقاعدة الذهب شكلين نعرضهما بإيجاز:   

الشكل الاول: قاعدة المسكوكات الذهبية : (Gold Specie Standard)     

    بعد أن اتخذ الذهب كقاعدة للنقد ، قام الناس بتداول مسكوكاته (المسكوكة الذهبية هي عبارة عن عملة ذهبية مصنوعة من الذهب المضاف إليه بعض المعادن الأخرى وأهمها النحاس والقصدير لإكسابه الصلابة والسهولة بالتشكيل ، وان قيمة العملة ناجمة عن كمية أو وزن الذهب الموجود فيها) من يد إلى يد وأصبح للذهب وظيفة مزدوجة ، فعلى الصعيد الدولي أعتبر الذهب وسيلة لتسوية الالتزامات الدولية ، وعلى المستوى المحلي كانت العملات الذهبية هي وسيط الدفع المقبول تداوله في الأسواق المحلية .  

    وكانت قاعدة المسكوكات الذهبية تقوم بدورها الداخلي والخارجي بفضل توفر بعض الشروط الضرورية الآتية :         

1 -  أن يضمن البنك المركزي شراء وبيع الذهب بكميات غير محدودة وبسعر ثابت.        
2 - حرية السك والصهر بحيث يستطيع أي فرد لديه قطعة من الذهب أن يقدمها لدار السك من أجل تحويلها إلى مسكوكة ذهبية أو بالعكس.

3 - حرية تصدير الذهب واستيراده من الخارج بدون أي قيد أو شرط .      

4 -  قابلية أنواع النقود الأخرى للصرف عند حد التعادل بمسكوكات ذهبية .

      ويقصد بحد التعادل الذهبي بين عملتين هو:

 حاصل قسمة (المحتوى الذهبي للعملة الأولى مقسوما على المحتوى الذهبي للعملة الأخرى) فمثلا إن حد التعادل بين الدينار العراقي والجنيه المصري هو :

1-                     إن سعر الدينار مقابل الجنيه هو : 2.48828 / 2.55187=   0.975 جنيه مصري .

2-                     اما سعر الجنية مقابل الدينار فهو: 2.55187/ 2.48828 = 1.025  دينار عراقي .

      وبتوافر هذه الشروط يكون هنالك تطابق بين القيمة الاسمية للعملة وقيمة ما تحتويه من الذهب الخالص . ومن الواضح أنه في ظل هذه القاعدة فان السيولة النقدية تتحدد بمعدل إنتاج الذهب وبالنسبة المئوية التي تستخدم للأغراض النقدية . وقد سادت هذه القاعدة حتى بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 اذ انهارت قواعد اللعبة التي قام عليها نظام الذهب ، فاضطرت الحكومات الى إيقاف شرط تحويل الأوراق النقدية الى ذهب وبذلك فقد تحولت الأوراق القابلة الى التحويل الى نقود انتهائية غير قابلة للتحويل و فرض لها سعر إلزامي وباتت تتمتع بقوة الإبراء العام المستمدة من قانون الدولة التي تصدرها وبذلك تم سحب الذهب من التداول .      

الشكل الثاني: قاعدة السبائك الذهبية  Gold Block(العودة الى قاعدة الذهب) :  

       اعتقد الكثير من رجال السياسة  والاقتصاد إن الأسباب الحقيقية وراء الاضطرابات الاقتصادية والنقدية وعلى صعيد العلاقات الاقتصادية الدولية على شكل (حروب أسعار الصرف) أو ( حروب التعريفات الجمركية) والتي أطلق عليها  (سياسة إفقار الجيران Beggar the Neighbors )  والتي حدثت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى كانت بسبب الخروج عن قاعدة الذهب ، وأهمها هي قاعدة الحرية الاقتصادية وعدم تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي والامتناع عن فرض القيود على التجارة الخارجية وربط الإصدار النقدي بكمية الذهب وحرية استيراد الذهب وتصديره ، لذلك طالبوا وبشدة العودة الى قاعدة الذهب لتلافي هذه الانتكاسات ولكن تحت شروط محددة هي :

1.    تحديد قيمة ثابتة لوحدة النقد بوزن معين من الذهب .

2.    قابلية صرف النقود الورقية الى ذهب وبالعكس دون قيد أو شرط .

3.    الكف عن سياسة التمويل التضخمي (أو ما يطلق عليه بالتمويل بالعجز) للموازنة العامة .

4.    الحفاظ على أسعار الصرف الثابتة من خلال العمل على تحقيق التوازن الخارجي (أي التوازن التلقائي في ميزان المدفوعات) .

5.    توفير ثقة الإفراد بالعملة من خلال ثبات قوتها الشرائية (داخليا وخارجيا) .

       لذا فقد تطورت أو تغيرت قاعدة (المسكوكات الذهبية إلى قاعدة (السبائك الذهبية)  وذلك بإعلان ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا في 25 نيسان عام 1925عودة بريطانيا الى قاعدة الذهب ولكن على صورة السبائك الذهبية ،  والتي تختلف عن المسكوكات في عدم تداول السبائك من يد إلى يد بين الناس وإنما يمكن مبادلة البنكنوت (أو الأوراق النقدية الممثلة لها) التي أصدرها بنك الإصدار مقابل وزن محدد من الذهب لكل ورقة نقدية .      
   ولكن يلاحظ قلة إقبال الناس على تحويل البنكنوت التي في حوزتهم إلى سبائك ذهبية وذلك لتحديد وزن مرتفع للسبائك الذهبية التي تلتزم السلطات النقدية بتحويلها (أي إن وزن السبيكة الذهبية يكون 
اكبر من قدرة الناس على استبدالها) الأمر الذي يتطلب تدبير مبالغ مالية كبيرة من البنكنوت قد لا تكون متوفرة لدى أغلب الناس.  

تقييم نظام قاعدة  الذهب     

    لقد اختلفت الآراء حول مدى فعالية نظام الذهب ، وهذا عائد إلى إن بعض الاقتصاديين اليوم ينظر إليه من وجهة نظر معاصرة والبعض الآخر يقيّمه من خلال الظروف التي طبق فيها ، فأصحاب التوجه العصري يرون أن تطبيق نظام الذهب كانت له نتائج سلبية وخيمة على الاقتصاديات الدولية بالإضافة إلى أنه جمّد جزءاً من الموارد الإنتاجية للمجتمع باعتبار  الذهب كنقد (ناجمة عن إن حاجة الاقتصاد العالمي من النقود كانت تفوق كثيرا كميات الذهب النقدي المتداول عالميا) ، أما أصحاب التوجه الآخر فقد رأى في تطبيق نظام الذهب العديد من المزايا يمكن أن نبرزها فيما يأتي :

1 -  إن استخدام الذهب كقاعدة نقدية ، ناجم عما له من قيمة استعمالية ومكانة في النفوس تدعم ثقة الأفراد في النظام النقدي.
2 - إن التشغيل الآلي لنظام الذهب وتحديده لكمية النقود المصدرة في المجتمع أفضل من ترك تحديد هذه الكمية للسلطات النقدية (لتجنيب هذه الدول حالات التضخم) .        
3 -  بالإضافة إلى أنه بفضل تطبيق قاعدة الذهب فان التجارة الدولية قد شهدت انتعاش سياسات أسعار الصرف واستقرارها لمختلف العملات وسهلت عمليات تحريك رؤوس الأموال حيث عرف العالم استقرارا يزيد عن ثلاثين عاما .           

انهيار نظام قاعدة  الذهب    

      فرضت الحرب العالمية الأولى على الدول المشاركة فيها ضرورة التوسع في الإصدار النقدي من أجل تمويل نفقاتها الباهظة على عكس ما تفرضه قاعدة الذهب وهو الإصدار الصارم في النقد أي بما يتوافق مع كمية الذهب مما أقتضى على أغلب الدول الخروج عنها وإتباع سياسات نقدية مستقلة لتحقيق الاستقرار الاقتصادي الداخلي كأول هدف لها ، ومن تلك السياسات هو التوسع في الإصدار النقدي لمواكبة الحاجة الكبيرة والمتزايدة للأموال لتغطية نفقات الحرب والتعويض عن توقف العجلة الإنتاجية او تدمير الهياكل التحتية وما الى ذلك .

       وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى جرت محاولات حقيقية من أجل إعادة الحياة الى قاعدة الذهب ، حيث سجل التاريخ عودة انجلترا إلى قاعدة الذهب في عام 1925 وتمسكها بنفس سعر التعادل القديم بالنسبة للدولار وهو 1£ = 4.87 $  ولم يكن هذا السعر منصفا بالنسبة للدولار الذي كان أقوى بكثير من الجنيه ، وقد كان لأزمة الثلاثينات الشهيرة بـ (أزمة الكساد العظيم) والتي ابتدأت بوادرها عام 1929 ثم ما لبثت أن عمت جميع الدول الرأسمالية دون استثناء ، وهي تعتبر اخطر أزمة عرفتها الرأسمالية في تأريخها الطويل ، إذ أدى هبوط أسعار السندات والأوراق المالية الى مستويات متدنية جدا ، أعقبتها موجات بطالة عاتية  وهبوط شديد ومتراكم في الطلب وانخفاض مخيف في الأسعار والناتج .   

      هذه الأحداث قد اضطرت انجلترا إلى الخروج عن قاعدة الذهب في 21 سبتمبر 1931 بعد فقدانها حوالي 27 مليون £ (أكثر من125 مليون $ بحسب سعر الصرف المعلن من قبل انجلترا) ، كما فقدت الكثير من استثماراتها في الخارج ، وفي 14 أبريل 1933 خرجت أكبر قوة مساندة لقاعدة الذهب وهي الولايات المتحدة وتخفيض قيمته (أي قيمة الذهب)  من أجل تشجيع صادراتها وخاصة بعد انهيار ( وول ستريت) في أكتوبر 1929 ، وقد تجمع معظم الرصيد أو الاحتياطي الذهبي في يد الحكومة الأمريكية بعد إن فرضت على مواطنيها تسليم ما يمتلكون من ذهب مقابل شهادات استلامتمنحها الحكومة لهم لإثبات دائنيتهم  .
      ولكن محاولة العودة الى قاعدة الذهب في تلك الأثناء قد باءت بالفشل حيث كانت أغلب العملات مقومة تقويما خاطئا ، أي إن قيمة هذه العملات كانت اكبر أو اقل من قيمة محتواها الذهبي ، كما أن ميزان مدفوعات أغلب الدول كان في وضعية مختلة . ولم يتبقى سوى خمس دول فقط ملتزمة بقاعدة الذهب هي فرنسا ، بلجيكا ، هولندا ، ايطاليا وسويسرا. وكان يطلق عليها (جبهة دول الذهبGold Bloc ) إلا أنه وبحلول عام 1936 خرجت فرنسا وسويسرا من هذه الجبهة وقامت بتخفيض عملتها كما قامت بعض الدول بإتباع نظام الرقابة على الصرف لتخفيف حدة الأزمات التي تواجهها مستهدفة بذلك توفير احتياطات من النقد الأجنبي لسداد مدفوعاتها الخارجية حيث قامت الحكومات في هذه الدول بفرض رقابة على خروج ودخول النقد الأجنبي لكي تحد من تصدير رؤوس الأموال إلى الخارج حتى لا تتعرض للمزيد من العجز في ميزان مدفوعاتها الخارجية مما يشكل ضغطا على سعر صرف العملة يهدد بتخفيضها.  كذلك لكي تعمل على الحد من استيراد السلع غير الضرورية وادخار رؤوس الأموال الأجنبية لاستيراد السلع الإنتاجية ، كما كانت تلزم مواطنيها ببيع ما لديهم من أرصدة النقد الأجنبي المتولدة عن نشاطهم التصديري مقابل حصولهم على العملة وطنية. 

  أسباب انهيار نظام قاعدة الذهب          

     إن من أهم الأسباب التي أدت إلى انهيار قاعدة الذهب وفشل العودة إليها ما يأتي :       

1.    التفاوت بين معدل إنتاج الذهب ومعدل نمو التجارة الدولية :

 ففي الوقت الذي ينمو فيه إنتاج الذهب بمعدل 2% فإن التجارة الدولية  تنمو بمعدل 11%. سنويا مما يعني عدم مواكبة تطورات انتاج الذهب لاحتياجات التجارة الدولية من النقد .       

2.    أن نشوب الحرب العالمية الاولى أدى إلى تركيز الذهب بيد الدول المتحاربة:

لغرض استخدامه للمشتريات العسكرية .

3.    التوسع النقدي والحاجة الى الاحتياطيات من الذهب والدولار والجنيه:

 خلال عمليات إعادة اعمار أوروبا ، وقد انعكس ذلك على الاحتياطات الدولية .

وهنالك أسباب ثانوية ساهمت هي الأخرى في انهيار قاعدة الذهب هي :

·       جمود نظام الذهب ، وتقيده بكمية الذهب الموجودة .

·       عدم تقييم بعض العملات تقييما صحيحا .

·       التسابق بين الدول في فرض تعريفات جمركية عالية على استيراداتها .

·       اتجاه بعض البنوك المركزية الى اكتناز الذهب.

تعليقات

التنقل السريع