ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات: تجارب دولية فى الاقتصاد المعرفي
ان الثورة في مجال تبادل المعلومات والاتصالات من اخطر الثورات العلمية والتكنولوجية، فقد أصبح كل ركن من اركان العالم وكل فرد فيه قادراً على تخطي كل الحواجز المادية والسياسية بين الدول . لقد اكد (توفلر) على نهاية الحضارة الصناعية وبداية الموجة الثالثة من الحضارة البشرية، من خلال التوسع السريع في انتاج واستعمال "المعالج المصغر" * والتكنولوجيا الحيوية وتداخل المعلومات في المواصلات كل ذلك ادى الى خلق مواد جديدة بخصائص مذهلة مصحوبة بتغيرات اجتماعية بشرية وسكانية وسياسية وأقيمت صلة مباشرة بين العلم والتكنولوجيا والمجتمع.
تجارب دولية في التحول الى الاقتصاد المعرفي
هناك العديد من الدول التي قررت مواكبة التطور السريع الحاصل في مجال
الاقتصاد ومواكبة ثورة المعلومات والاتصلات فتحولت اقتصادياتها الى الاقتصاد المعرفي ، ويشير برنامج الامم المتحدة الى ان اكتشاف مناجم الذهب والسيطرة على الآليات
الصناعية لم تعد تؤدي الى العظمة الاقتصادية
فالسبل الجديدة هي القدرة على انتاج برامج معلوماتية ، وامكانية فك الرموز
الجينية . ومن ابرز تطبيقات التحول الى
الاقتصاد المعرفي :
1- الدول الاسكندنافية : ( السويد )
تضم السويد نحو 9 ملايين نسمة ، موزعين على 450 الف كم2 ، وتعد السويد دولة متقدمة جداً في مجال
اقتصاد المعرفة ، إذ يشهد قطاع تكنولوجيا المعلومات بها نموا هائلاً .
تستثمر السويد في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نسبة للناتج القومي اكثر من اي بلد آخر وتصل
نسبة الاستثمار الى نحو 7.72 % وتاتي اعلى من النسبة في الولايات المتحدة ( 7.29 %
) وذلك حسب مرصد تكنولوجيا المعلومات الاوربي EITO
.
كذلك فأن السويد تأتي الاولى في الاستثمار المعرفي والثقافة والتدريب
والبحث والتطوير ، وعليه فقد اصبحت السويد من اكثر البلدان حداثة على المستوى
التكنولوجي .
في سنة 1998 شهد قطاع البرمجيات نمواً بلغ 40% بسبب المبيعات المتزايدة
للشركات السويدية في العالم ، علماً انه يتواجد بالسويد 600 شركة برامج سويدية
بالاضافة الى انه يتواجد بها عدد من الشركات المتعددة الجنسيات في مجال الاتصالات
، وتعد اسكندنافيا المنطقة الاكثر تطوراً المنطقة الاكثر تطوراً في مجال التجارة
الاليكترونية حيث تحتل السويد فيها مركزاً مهماً ايضاً .
2- الهند
تتميز الهند بنمو القيمة المضافة في مجال
التصدير بقطاع التكنولوجيا والخدمات. كما تخلق الهند العديد من الوظائف
التصنيعية، وإن كان هذا القطاع ما زال أقل فاعلية وأدنى انتشارا من نظيره في
الصين. وتشير الدراسات إلى أن المهندسين في الهند أكثر كفاءة من الناحية التدريبية
من نظرائهم في الصين، وأن معين الهند الذي لا ينضب من الخريجين المؤهلين يعادل
تقريبا ضعف القدرات الصينية في هذا المجال.
ان الهند مرشحة في الوقت الحاضر لتكون قاعدة متقدمة في مجال الاقتصاد
المعرفي ، وقد قطعت اشواطاً كبيراً في الانتقال من اقتصاد ذو نشاطات زراعية وصناعات تقليدية وخدمات بسيطة الى اقتصاد متطور
لا سيما مع وجود برامج اصلاح اقتصادي فاعلة ،ومن اهم عوامل نجاح الهند في التحول
الى الاقتصاد المعرفي هي ما يأتي :
1 - ميزة الموقع الجغرافي : استطاعت الهند أن تستفيد من موقعها الجغرافي ، ذلك أن التوقيت الهندي يختلف عن توقيت الولايات المتحدة بـ ( 12 ) ساعة ، ومن المعروف أن الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق عالمي للبرمجيات ، وقد سمحت هذه الميزة للشركات الأمريكية بتأسيس فروع لها في الهند أو بإبرام عقود مع شركات هندية ، مما ساهم في جعل مشروعاتها البرمجية تعمل على مدار الساعة ، إن فرق (12) ساعة في التوقيت ميزة كبيرة سمحت بعمل مستمر في المشروعات البرمجية .
2 - القوى البشرية : تمتلك الهند ثاني أضخم مجموعة في العالم من القوى العاملة المتخصصة تقنياً والتي تتقن اللغة الإنكليزية ، ولا يسبق الهند في هذا المجال سوى الولايات المتحدة الأمريكية ، وللهند أفضلية عليها، بسبب انخفاض الكلفة ، وقد بدأت صناعة البرمجيات في الهند في عام 1985 وكان لديها (6800) مختصا بالبرمجيات ، وخلال (12) سنة استطاعت الهند أن تحقق قفزة في عدد المبرمجين ليصل في عام 2000 إلى (340) ألف مبرمجاً ، وإن حجم الطلب العالمي على المبرمجين يصل إلى مليوني مبرمج في اليابان والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة ، وتستطيع الهند أن توفر (60) ألف مبرمجاً في كل عام ، وبذلك يمكن للهند تستجيب للطلب العالمي
3 - كلفة منخفضة : - ينسب النمو الهندي القوي في صناعة البرمجيات إلى الكلفة المنخفضة للمبرمجين الهنود ، فقد كانوا يتقاضون ما يعادل من (15 - 20 %) مما يتقاضاه نظراؤهم في الدول المتقدمة مما دعا الشركات الهندية الى تحديد مستوى منخفض لتسعير المشروعات البرمجية ، وان ميزة الكلفة المنخفضة تعرضت للتلاشي ابان المدة من (1990 – 2000 ) ، وقد أصبح عدداً متزايداً من المبرمجين الهنود يحصلون على أجور عالية تكافئ المعايير العالمية ، وبالرغم من ذلك فإن الهند لا تزال توفر فرصة جيدة وقيمة حقيقية مهمة للمال المستثمر في مجال البرمجيات .
4- طيف واسع من الخدمات : - تستطيع الهند أن تقدم طيفاً واسعاً من خدمات البرمجيات ، بدءاً من الدعم الفني ومعالجة المعطيات وحتى أكثر أنظمة البرمجيات تطوراً وتعقيداً ، ونظراً للكلفة المنخفضة لعمل شركات البرمجيات وتوافر قوة عاملة خبيرة على كافة الصعد ، فإن الشركات الهندية تستطيع أن تعرض خدمات عمل مكثف لتنفيذ أعمال برمجية كبيرة ، وأن تعرض حلولاً نوعية تتضمن النظم البرمجية المتطورة .
5- عدم ترك التقنية القديمة : كان من حسن حظ الهند أنها دخلت إلى عالم صناعة البرمجيات في وقت متأخر نسبياً ( أواسط الثمانينات ) ، فعلى عكس الدول الأوروبية واليابان التي أضطرت إلى تجديد شامل لتجهيزاتها وبرمجياتها ، لم تتحمل الهند كلفة مثل هذا التجديد وأن عدداً قليلاً جداً من الشركات الهندية أضطر إلى الإستثمار في جيل ثانٍ من التجهيزات ، ذلك لأنها بدأت بالإستثمار بشكل جاد في منتصف الثمانينات .
3- ماليزيا :
وضعت ماليزيا استراتيجيتها
في عام 1986 لتحول الصناعة فيها من اعتمادها على التجميع فقط الى تنفيذها لجميع
العمليات في سلسلة القيمة الصناعية ، ومن تشغيل المشاريع الصناعية بشكل منعزل
نسبياً الى تشغيلها ضمن مجمعات صناعية عنقودية تستفيد من بعضها البعض ، وفي سبيل
ذلك اطلقت الدولة الماليزية برنامجين كبيرين لتحقيق هذه الاهداف : برنامج تطوير
المشاريع وبرنامج بناء المجمعات الصناعية الذي يضيف قيمة على المنتجات الماليزية .
لقد وضعت ماليزيا اول
خطة سياسية للعلوم والتكنولوجيا لها في عام 1986 كما تقدم ، ثم تبع ذلك رسم خطة
للتطوير الصناعي في 1990 ، وخلال اكثر من عقدين نجحت بتطوير وتعزيز البنية التحتية
وبناء القدرات البشرية في مجال العلوم
والتكنولوجيا ، وقد اعتمدت سياسة من سبعة محاور او مفاتيح لتحويل اقتصادها اى
اقتصاد معرفي متطور وهي كالاتي :
1-
تعزيز القدرات الوطنية في البحث
والتكنولوجيا عن طريق فتح مراكز بحثية علمية .
2-
تشجيع تسويق نتائج البحوث عن طريق
انشاء المجلات البحثية العلمية الاليكترونية وغير الاليكترونية المعاصرة .
3-
تطوير القدرات البشرية عن طريق ورش عمل
مستمرة ومعاصرة والتشجيع على الانضمام اليها
4-
الترويج لثقافة العلم والابتكار وروح
المبادرة وانشاء المحافل العلمية والبحثية كالمؤتمرات والندوات وورش العمل .
5- نشر
وتطبيق التكنولوجيا على نطاق واسع ، والتي تؤدي الى تعزيز السوق والبحث والتطوير
لتكييف وتحسين التكنولوجيا .

تعليقات
إرسال تعليق
رأيك مهم