أثر التدهور البيئي على النمو الاقتصادي:
في النصف الثاني من القرن العشرين بدأت المنظمات الدولية بمراجعة إستراتيجيات النمو الاقتصادي وإبرام العديد من الإتفاقيات والمعاهدات الإقليمية والدولية لإلزام الدول بسن تشريعات للمحافظة على البيئة وذلك لتحقيق نمو وتنمية متوازنة تلبي الإحتياجات الحالية دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية إحتياجاتها الخاصة، لا سيما في ظل الجدل العالمي حول التنمية المستدامة التي باتت تطلق على دمج الاعتبارات البيئية بالتخطيط التنموي.
في عام 1972م صدر تقرير تحت عنوان "حدود النمو" من نادي روما قدم من خلال نموذج أطلق عليه "النهاية المحتومة للنمو الاقتصادي" يشرح صعوبة إستمرار معدلات النمو العالية نتيجة التلوث البيئي، وتنبأ بنفاد الموارد الطبيعية غير المتجددة في العالم، مما يؤدي إلى إرتفاع أسعارها، وإرتفاع تكاليف الإنتاج في القطاعات الاقتصادية وإنخفاض معدلات النمو الاقتصادي، ويواجه العالم إرتفاع معدلات الوفيات بسبب قلة الغذاء وسوء الرعاية الصحية، و في النهاية نقص كبير في عدد السكان.
ومن جانب نظرية النمو الكلاسيكية :
تم تعديل النظرية بإدراج البيئة كمتغير في دالة الإنتاج، وذلك لأن الإنتاج الاقتصادي يعتمد على حجم الموارد الطبيعية ونوعية البيئة، أي أن البيئة تعتبر عاملًا وسيطاً كما جاء في آراء مالتس)مالتس (1798، ثم تزايد الإهتمام بالاقتصاد البيئي في بداية سبعينيات القرن الماضي 1974) Solow, 1974 Heal, and Dasgupta (Nordhaus1972، ومن ثم ظهور عقبة الموارد الناضبة التي تفرض قيود على البيئة مما يؤثر على قدرتها في إنتاج الموارد أو معالجة النفايات)بروك تايلور، .(2005
أما نموذج ربلو AK:
قام باختبار أثر السياسات البيئية على النمو الاقتصادي، وخلص إلى أن هناك علاقة عكسية بين البيئة والنمو الاقتصادي، أي أن تحسن نوعية البيئة يصاحبه إنخفاض في معدل النمو الاقتصادي)زيدان و رانول، (2016، وأكد p39) 1998, (Stokey, وp1050) (Romer,1986, على ضرورة الإهتمام بتأثير تحسن نوعية البيئة على الصحة مما يؤدي إلى تحسن الإنتاجية التي تعمل على زيادة معدل النمو مرة أخرى، وعلى الرغم من تطوير أنشطة وتكنولوجيا مكافحة التلوث البيئي إلا أن التلوث البيئي مازال يؤثر على النمو الاقتصادي.
ويعتبر نموذج لوكاس لرأس المال البشري ودوره في النمو الاقتصادي :
جزءاً مهماً من نماذج نظريات النمو الداخلي التي قامت بدراسة أثر التلوث البيئي على النمو الاقتصادي، وميز بين الأثر المباشر للتلوث البيئي على رأس المال البشري وأثره على الإنتاجية التي تنخفض بفعل الوفاة أو المرض (Chay and Greenstone, 2003, p1112)
أما فرضية منحنى كوزنتس البيئي للعلاقة بين النمو الاقتصادي والبيئة:
ظهرت في خمسينات القرن الماضي في دراسة للاقتصادي Kuznets" "Simon وقامت بتحليل العلاقة بين النمو والبيئة، حيث أنه قبل بداية مرحلة التصنيع يتساوى الناس في مرحلة الفقر ومع التطور يزيد التفاوت الاقتصادي، ويكون مسار العلاقة على مرحلتين: في المرحلة الأولى يكون التركيز على القطاعات الزراعية والصناعية لزيادة الدخل مع عدم الإهتمام بسلامة البيئة، ومن ثم يزيد حجم التلوث بزيادة المخرجات السلبية من الإنبعاثات نتيجة لعمليات الإنتاج والاستهلاك، وفي المرحلة الثانية: مع تحسن النمو الاقتصادي وزيادة الدخل، يتم التوجه نحو الإهتمام بجودة البيئة والعمل في القطاعات الصناعية، ثم تتحسن المؤشرات النوعية للبيئة، ويتم تمثيل منحنى كوزنتس على شكل U مقلوب)تركي، 2017، ص (216 كما في الشكل رقم(1) أدناه.وتشير النظرة الحديثة للعلاقة بين البيئة والنمو الاقتصادي، إلى أنها علاقة تكاملية وليست تبادلية، ومنذ عام 1987م أكدت اللجنة العالمية للبيئة والتنمية أن الكثير من عمليات التنمية تؤدي إلى تدهور البيئة وإلحاق الضرر بالإنسان، ومن ثم دعت إلى إدخال البيئة في معادلة النمو الاقتصادي وإدماج الإعتبارات البيئية في التخطيط التنموي، والتسليم بمفهوم التنمية المستدامة الذي يأخذ في الاعتبار القيم الإنسانية والأخلاقية والبيئية.
ويتنوع التلوث البيئي بين تلوث الهواء والمياه والتربة والضوضاء، فيشمل تلوث الهواء إنبعاث السيارات، إحتراق الوقود، الغبار، الأتربة، الصناعة والتخلص من النفايات، بينما ينحصر تلوث المياه في مياه الصرف الصحي من مخلفات المدن ومخلفات المصانع السائلة والمبيدات الزراعية التي ترش ثم تصب في البحار مؤثرة بذلك على مياه الشرب والبيئة البحرية، أما تلوث التربة يصدر عن الإفراط في إستخدام المبيدات والأسمدة الكيميائية والمياه الملوثة، ثم تلوث الضوضاء نتيجة تداخل مجموعة من الأصوات العالية الحادة وغير المرغوب فيها التي تسبب التوتر العصبي.
ينعكس تلوث البيئة على النمو الاقتصادي بصورة مباشرة في إنتشار الفقر وتدني مستوى المعيشة بسبب تأثر الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي ومن ثم انخفاض حجم الصادرات وضعف قدرتها التنافسية، وإرتفاع معدلات التضخم وإنخفاض متوسط نصيب الفرد، مما يؤدي إلى ظهور السوق السوداء والسمسرة و ظهور الفوارق الطبقية بين الأفراد، وإرتفاع نسبة البطالة نتيجة توقف الوحدات الإنتاجية عن العمل وقلة الإستثمارات وما يصاحبه من تدني مستوى خدمات الصحة والتعليم وإنتشار الأمراض والأوبئة.
حيث للتلوث البيئي تكاليف اقتصادية تتمثل في تكاليف العلاج، الغياب عن العمل، تلف المحاصيل الزراعية في مناطق التلوث والتخلص من النفايات، بالإضافة إلى التكاليف غير المباشرة التي تتمثل في تكاليف إستنزاف الموارد البيئية من خلال عملية الإنتاج، كالهواء، الماء والحياة البرية.


تعليقات
إرسال تعليق
رأيك مهم