اندونيسيا : نموذج ناجح فى التنمية الاقتصادية
تقع أندونيسيا في جنوب شرق آسيا تحدها من الشمال ماليزيا وغينيا
الجديدة وشرقا تيمور الشرقية، وتعد أكبر أرخبيل ( مَجْمُوعَةُ جُزُرٍ مُتَجَاوِرَةٍ )يجري في
العالم إذ تضم 17508 جزيرة تقريبا بمساحة 1919440 كم 2 يعيش
سكانها فيما يقارب 6000 جزيرة
فقط.
و تعتبر من بين أكبر الدول ازدحاما في العالم، حيث إجمالي عدد سكانها
حوالي 250 مليون نسمة، وتحتل المرتبة األولى إسالميا والرابعة عالميا من حيث
تعدادها السكاني.
يبلغ عدد سكان إندونيسيا الحالي حوالى 285 مليون نسمة بمعدل نمو سنوي قدره 0.8٪ حيث أن عدد سكان إندونيسيا يمثل حوالى نسبة 3,5٪
من أجمالي عدد سكان العالم.
انخفض معدل التضخم السنوي في إندونيسيا إلى 1.55% في نوفمبر 2024، مسجلًا أدنى مستوى منذ يوليو 2021 بينما يبقى ضمن نطاق هدف البنك
المركزي من 1.5% إلى 3.5%، مقارنةً بتوقعات ارتفاع بنسبة 1.5%. وعلى أساس شهري، ارتفع مؤشر أسعار
المستهلكين بنسبة 0.30% في نوفمبر، وهو الأعلى في ثمانية أشهر، بعد ارتفاع بنسبة 0.08% في أكتوبر وفوق توقعات بنمو 0.26%. مصدر: Statistics Indonesia
انخفض معدل البطالة في إندونيسيا إلى 4.91 بالمئة في الربع الثالث من عام 2024 من 5.32 بالمئة في نفس الربع من العام السابق. وتراجع عدد العاطلين عن العمل بنسبة 4.96 بالمئة عن العام السابق إلى 7.47 مليون شخص. في الوقت نفسه، زاد عدد العاملين
بنسبة 3.42 بالمئة إلى 144.64 مليون شخص، معظمهم في الزراعة
والغابات والمصايد. وفي الوقت نفسه، ارتفع معدل المشاركة في القوى العاملة إلى 70.63 بالمئة من 69.48 بالمئة في العام السابق. مصدر: Statistics Indonesia
ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر في إندونيسيا، باستثناء
الاستثمار في القطاعات المالية وقطاع النفط والغاز، بنسبة 18.55% مقارنة بالعام السابق ليصل إلى ذروة
قياسية تبلغ 232.65 تريليون روبية إندونيسية (14.94 مليار دولار) في الربع الثالث من عام 2024، وذلك بعد زيادة بنسبة 16.6% في الربع الثاني. وشهد هذا الارتفاع أسرع نمو في
الاستثمار الأجنبي المباشر منذ الربع الأول من عام 2023، مدعومًا باتجاه أوضح للاقتصاد بعد
انتخابات فبراير. استمر اهتمام المستثمرين الأجانب بصناعة التعدين وتنقية
المعادن في إندونيسيا بعدما حظرت البلاد شحنات خام النيكل في عام 2020 كجزء من جهود الحكومة لجذب
المستثمرين في سلسلة إمداد المركبات الكهربائية. وكانت أكبر المستفيدين من الاستثمار
الأجنبي المباشر هي صناعة المعادن الأساسية (3.03 مليار دولار)، والنقل والتخزين والاتصالات (2.02 مليار دولار)، والتعدين (1.56 مليار دولار). وكانت سنغافورة وهونغ كونغ والصين
أكبر مصادر الاستثمار الأجنبي المباشر. وسجلت إندونيسيا إجمالي 431.48 تريليون روبية من الاستثمارات
الأجنبية والمحلية خلال الربع الثالث، بزيادة 15.3% على أساس سنوي. مصدر: Investment Coordinating Board of
the Republic of Indonesia (BKPM)
انخفضت الصادرات في إندونيسيا إلى أعلى مستوى في عامين حيث
بلغت 24413.50 مليون دولار أمريكي في أكتوبر من 22081.70 مليون دولار أمريكي في سبتمبر 2024، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى ارتفاع
أسعار زيت النخيل. مصدر: Statistics Indonesia
ارتفعت الواردات إلى إندونيسيا بنسبة 17.49% على أساس سنوي لتصل إلى أعلى مستوى
لها منذ 14 شهرًا عند 21.94 مليار دولار أمريكي في أكتوبر 2024، متجاوزة بسهولة تقديرات السوق التي
كانت عند 7.1% وزيادة عن النمو البالغ 8.55% في الشهر السابق. كان هذا هو الشهر الخامس من الزيادة
في المشتريات وأسرع وتيرة منذ سبتمبر 2022. مصدر: Statistics Indonesia
نما اقتصاد إندونيسيا بنسبة 1.5٪ على أساس ربع سنوي في الربع الثالث
من عام 2024، مقارنة بتوقعات السوق البالغة 1.6٪، وبعد أعلى نمو فصلي في الناتج
المحلي الإجمالي خلال عام بمعدل نمو 3.79٪ في الربع الثاني. ونُسب التباطؤ الملحوظ إلى انخفاض في
الاستهلاك الخاص (-0.48٪ مقابل 3.12٪ في الربع الثاني) والإنفاق الحكومي (-0.67٪ مقابل 19.57٪). وفي الجبهة التجارية، ارتفعت
الصادرات (8.1٪ مقابل 0.85٪) والواردات (8.99٪ مقابل 2.56٪)، مما أضاف بشكل إيجابي إلى الناتج
المحلي الإجمالي. وفي الوقت نفسه، انتعشت الاستثمارات الثابتة بقوة (8.44٪ مقابل -0.66٪). مصدر: Statistics Indonesia
ولكن كان هناك القليل عن التجربة الإندونيسية التي تماثلنا
في غلبة الزيادة السكانية ــــ٢٧٧ مليون نسمة ــــ يعيشون على ضعف مساحة مصر من الجزر
ــــ ١٧٠٠٠ جزيرة ــــ ورغم الغالبية الإسلامية فإن الدولة بها ١٣٠٠ جماعة عرقية
يتحدثون ٧٠٠ لغة. إدارة هذه التركيبة يشكل معجزة في حد ذاتها، ولكن النتيجة هي أن
الدولة عضو في جماعة العشرين، وناتجها المحلي الإجمالي هو 1.389 تريليون دولار،
وهي الآن تعد لانطلاقة جديدة تستفيد فيها من وجودها على مفترق الطرق بين المحيطين
الهندي والباسيفيكي، وحيث تتقاطع الاستراتيجيات الكبرى للصين والولايات المتحدة
التي تحتضن دفاعيا وأمنيا استراليا ونيوزيلندا، ومنطقة جنوب شرق آسيا بأكملها.
ولكن ما يشغل إندونيسيا فعلا في هذه المرحلة هو السباق الاقتصادي العالمي والذي
تري لنفسها فيه مكانة لا يمكن تركها لآخرين.
في تقرير أخير لدورية «إنترريجنال» للتحليلات الإستراتيجية
تحت عنوان «طموح جاكرتا» سوف نجد الكثير من العناوين التي نعرفها في مصر ولكن على
نطاق واسع. العنوان الأول الاهتمام بتطوير المناطق الاقتصادية الخاصة (٥٠ مليار
دولار)، والثاني تطوير ورفع كفاءة البنية التحتية (٤٣٠ مليارا في الفترة من ٢٠٢٠
إلى ٢٠٢٤ بعد إنفاق ٣٥٩ مليارا من ٢٠١٥ــــ ٢٠١٩)؛ ورفع قدرات القوي البشرية،
وتبني سياسات مالية ونقدية مرحبة بالمستثمرين الأجانب، وتحسين بيئة الأعمال
المحلية، والاعتماد على إستراتيجية اقتصادية متطورة فيكون حجم الاقتصاد الرقمي ٣٠٠
مليار دولار عام ٢٠٣٠.
تفاصيل كل ذلك كثيرة، ولكنها غنية بدروس كبيرة تأتي من
معالجة قضايا وإشكاليات لا تختلف كثيرا عما نواجه في مصر.. إندونيسيا جزء من بيئة
إقليمية ودولية لا تقل تعقيدا أو قسوة عن عالم الشرق الأوسط.
عانى الاقتصاد األندونيسي من تقلبات شديدة خالل فترة معينة من مراحل نموه، وانتقلت أندونيسيا من دولة فقيرة إلى دولة متوسطة الدخل، وفي كل مرحلة من مراحل نموه أثر ملموس على التنمية االقتصادية في هذا البلد.
في إندونيسيا، لا يمكن للجميع الوصولُ إلى الإنترنت، فالدولة تفتقر للبنى التحتية وتعاني محدودية الخيارات السلكية واللاسلكية. وقد أشارت إحصائيات العام 2019 إلى وجود أكثر من 12 ألف قريةٍ تفتقر لإنترنت الجيل الرابع، و94 مليون راشدٍ إندونيسيّ عاجز عن استخدام الإنترنت، كما أنّ عدداً أكبرَ من السكان يفتقرون لخدمة الإنترنت الثابت عريض النطاق، فيما يعاني 60 إلى 70% من سكان شرق البلاد من تقلُّبات جودة الخدمة. والمؤشر الأهم هو أنّ 80% من هؤلاء يعيشون في الأرياف التي لا يمكن الوصول إليها عبر المترو، وتعتمد معظمُها على الأقمار الصناعية محدودة القدرة على معالجة البيانات.
لتحقيق الاستفادة القصوى من الإنترنت، تعمل الحكومة الإندونيسية
على إيصال شبكة الإنترنت إلى المجتمعات الريفية، وتثقيف أبنائها بكيفية استخدامها،
وإطلاق المبادرات لاستثمارها في تنمية أعمالهم وتحسين نوعية حياتهم.
ومع ازدياد أعداد المستخدمين سنوياً واعتمادهم عليها في الكثير من
أمورهم اليومية كالعمل والدراسة والوصول إلى الخدمات العامة، أصبح الاتصال بشبكة
الإنترنت من الاحتياجات الأساسية للبشر، حتى باتَ وجود شخص غير متصل بها أمراً
غريباً. ولكنّ هذا الأمر وإن كان مثار استغراب هو في الواقع حقيقةٌ تشمل مجتمعاتٍ
برمّتها، وخاصة في بعض دول آسيا.
في إندونيسيا، لا يمكن للجميع الوصولُ إلى الإنترنت، فالدولة تفتقر
للبنى التحتية وتعاني محدودية الخيارات السلكية واللاسلكية. وقد أشارت إحصائيات
العام 2019 إلى وجود أكثر من 12 ألف قريةٍ تفتقر لإنترنت الجيل الرابع، و94 مليون
راشدٍ إندونيسيّ عاجز عن استخدام الإنترنت، كما أنّ عدداً أكبرَ من السكان يفتقرون
لخدمة الإنترنت الثابت عريض النطاق، فيما يعاني 60 إلى 70% من سكان شرق البلاد من
تقلُّبات جودة الخدمة. والمؤشر الأهم هو أنّ 80% من هؤلاء يعيشون في الأرياف التي
لا يمكن الوصول إليها عبر المترو، وتعتمد معظمُها على الأقمار الصناعية محدودة
القدرة على معالجة البيانات.
لتغيير هذا المشهد، تسعى وزارة الاتصالات والمعلوماتية إلى توفير
الاتصال بعدلٍ في كلّ أنحاء إندونيسيا، مهمةٌ أسندتها للوكالة المسؤولة عن الاتصالات
والوصول إلى المعلومات، "باكتي"، وهي كلمةٌ إندونيسية تعني
"التفاني".
وتشدّد الوكالة على أهمية مبدأ العدل في مهمتها، حيث تشير الأرقام
إلى أنّ حَمَلة الشهادات العليا يتفوّقون على ذوي التحصيل العلميّ الأدنى في
الوصول إلى الإنترنت، فيتمتّعون بفرصةٍ أكبر بخمس مرات. المبدأ نفسُه ينطبق على
أبناء الأُسر المستقرة مالياً، والذين يستفيدون من خدمات الاتصالات أكثرَ بثلاث
مرات من أبناء الأُسر منخفضة الدخل.
بدايةً، تسعى الوكالة إلى توفير إنترنت الجيل الرابع لجميع القرى
الإندونيسية خلال عامين عبر بناء محطاتٍ جديدة للإرسال والاستقبال في 4200 قرية
وتحديث المحطات الحالية في 1209 قرى، وذلك بمساعدة هيئات حكومية أخرى وشركتَي
القطاع الخاص المشغِّلتَين لخدمات الخليوي. بعدئذٍ، ستبدأ مرحلة استكشاف الخدمات
الرقمية ذات الجودة الأعلى، وتوفير الوصول المجانيّ إلى مواقع الخدمات الاجتماعية
كالمدارس والمرافق الصحية وغيرها.
وحيث أفادت جمعية مزوِّدي خدمة الإنترنت الإندونيسية بزيادة عدد
المستخدمين بنسبة 14.6%، تخطط الحكومة الإندونيسية لإطلاق قمر صناعيّ لتوفير
الوصول إلى إنترنت عالي السرعة حتى أبعد نقطة من البلاد، بعد أن وضعت إنترنت الجيل
الخامس على أجندة أعمالِها، وقامت بتحديث قانون الاتصالات السلكية واللاسلكية
والترددات الراديوية استعداداً للاحتياجات التنظيمية التي ستحتاجها هذه النقلة.
سيوفّر القمر الصناعي الجديد 150 ألف نقطة وصولٍ عامة، وسيمكِّن
إندونيسيا من تغطية أكثر من 500 ألف نقطة وصولٍ أخرى عبر البلاد.
يُترجمُ واقع الاتصال بشبكة الإنترنت في إندونيسيا حالياً إلى
انقسام حاد بين فئات المجتمع ويعمِّق الفوارق الاجتماعية والاقتصادية في البلاد،
حيث تكون الفرص من نصيب روّاد الشبكة العالمية والمواكِبين لكلّ جديد، لا أولئك
الأشد احتياجاً للفرص الاقتصادية.
وجاءت جائحة كوفيد-19 لتعرّي هذا الواقع أكثر، مع ركود قطاعات
السياحة والترفيه والأعمال وتنامي الحاجة إلى الإنترنت كوسيلة للتواصل والتسويق
والتعليم والدعم الصحي.
ولهذا السبب ركّزت الوكالة على تحقيق الإنصاف في الوصول إلى الفرص
الاقتصادية، فأنشأت منصةً للتجارة الإلكترونية لتساعد أصحاب الأعمال من القرويين
على ترويج منتجاتهم ومحاصيلهم في أسواق أوسع. ولأنّ هذه الابتكارات قد تكون معقّدة
بالنسبة لبعضهم، فقد نظّمت لهم الوكالة برامج تدريبيةً لاستخدام المنصة وتسويق
منتجاتهم عبر الإنترنت.
وفي السياق نفسه، كانت الحكومة قد أطلقت برنامجاً تحفيزياً لمساعدة
آلاف الشركات الصغيرة على الانتقال إلى الرقمنة، حيث تمثِّل هذه الشركات 60% من
الاقتصاد الإندونيسي وتشغِّل 97% من العمالة المحلية.
أما لإنعاش قطاع السياحة، أدخلت الحكومة أنشطة سياحية مميزة
كالإقامة في المنازل الريفية، وأطلقت منصاتٍ تشجِّع السياح على زيارة المناطق
الأقلّ شهرة في إندونيسيا، وقدّمت تدريبات على اللغات الأجنبية لمساعدة القرويين
للعب دور المرشدين السياحيين أو المضيفين.
ورغم ما يعود به التسويق الإلكترونيّ من فوائد، تبقى الخدمات
اللوجستية تحدياً كبيراً يواجه المنتجَ الريفيّ نظراً لمواقعها وطبيعة تضاريسها،
إلى درجة أنّ توصيل السلعة في بعض الأحيان أعلى كلفةً من السلعة نفسِها. وتحاول
وكالة "باكتي" اجتيازّ هذا التحدّي والبحث عن طرق مناسبة لتسليم البضائع
بكلفة معقولة، عن طريق ربطِ كلِّ منصةٍ بنطاق تسليمٍ محدد، بحيث تنفرد كلٌّ منها
بجزيرة واحدة مثلاً. ومع التحسّن التدريجيّ للبنية التحتية في إندونيسيا، ستبحث
الوكالة إمكانية وضع هذه المنتجات القروية على المواقع الوطنية للتجارة
الإلكترونية.
من جانبٍ آخر، فإنّ الأمية الرقمية لدى الكثير من الريفيين تثير مخاوف
حكومية حول إساءة استغلال الإنترنت للوصول إلى المحتوى السلبيّ أو عديم الفائدة أو
حتى غير الأخلاقيّ. لهذا، تعقد الوكالة جلساتٍ تعليميةً للأشخاص المؤثِّرين في
الأرياف، كالمعلِّمين والقادة الدينيين، ليشاركوا جهود التوعية ضمن مجتمعاتهم، كما
أنشأ الفريق التقنيّ محتوى رقمياً ومقاطع تعليميةً تبسِّط للقرويين الطرائق المثلى
للاستفادة من الإنترنت، وأطلقَ في العام 2021 برنامجاً لتعليم الطلاب والمعلّمين
كيفية استخدام منصات التعلّم الرقمية.
خلال فترة وجيزة، استطاعت منصة التجارة الإلكترونية زيادة الدخل
الشهريّ لأصحاب الأعمال الصغيرة إلى قرابة 3000 دولار أمريكيّ، وهذا أعلى بـ6
أضعاف مما كان عليه، وأكثر بـ10 مراتٍ من الحد الأدنى للأجور في إندونيسيا. أما
برنامج التدريب التعليميّ، فقد خرَّجَ من أسمتهم الوكالة بـ"الأبطال
المحليين" القادرين على نقل معارفهم للآخرين.
إجمالاً، ستعود هذه المشاريع بالعديد من الفوائد التنموية كتحفيز
استثمارات جديدة وإيجاد فرص العمل وتعزيز إمكانيات أبناء الأرياف.

تعليقات
إرسال تعليق
رأيك مهم