القائمة الرئيسية

الصفحات

دور ادوات السياسات النقدية والمالية فى استهداف معدلات التضخم بمصر

 

   

دور السياسات المالية والنقدية فى استهداف التضخم

 

تتمثل مشكلة ارتفاع معدلات التضخم من اهم المشكلات الاقتصادية التى تواجه الحكومات و البنوك المركزية، ولمواجهة حالة الانكماش الاقتصادي تلجأ البنوك المركزية الى تطبيق سياسات اقتصادية منها النقدية ومنها المالية الى جانب اجراءات اقتصادية وقانونية لضمان تحقيق الغرض الاساسي وهو السيطرة على معدل التضخم والخروج من حالة الركود الاقتصادي الى حالة الرواج الاقتصادي.


وتهتم البنوك المركزية بابقاء معدلات التضخم دون مستويات معينة بهدف تحقيق الاستقرار فى الاقتصاد وزيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال انتهاج سياسة استهداف التضخم عبر ادوات السياسات النقدية والمالية نظراً للدور الذي تلعبه جنبا إلى جنب مع السياسات الاقتصادية الأخرى، حيث تأتي أهمية السياسات النقدية والمالية بما لها من تأثير على النظام الاقتصادي من حيث معدلات النمو ومستوى الإنتاج والتشغيل وتوزيع الثروة والدخل الحقيقي.

و لا شك أن الأزمات الكبرى التى يمر بها العالم على مدار الأعوام الماضية، كجائحة فيروس كوفيد - 19، والحرب الروسية – الأوكرانية، بالإضافة الى الحروب والنزاعات الاقليمية فى كثير من الدول المجاورة لمصر؛ أدت الى مشكلات واضطرابات سلاسل إمداد الغذاء والطاقة وارتفاع اسعارها، واعقب ذلك موجات تضخمية فى مختلف اقتصاديات بلدان العالم نتيجة لارتفاع الطلب على السلع والخدمات مع ما يقابله من قلة المعروض منها، وبالطبع انعكس ذلك على مصر وعملتها المحلية. حيث فقدت العملة المصرية الكثير من قيمتها وقوتها الشرائية بصورة عجزت معها السياسات النقدية التقليدية التى تنتهجها البنوك المركزية فى مواجهة التضخم كرفع أسعار الفائدة واصبح من الضروري انتهاج سياسات حديثة تستهدف التضخم بشكل اكبر.

مشكلة البحث :

تتمثل مشكلة البحث فى ارتفاع معدلات التضخم فى مصر والتى هى أهم المشكلات الاقتصادية التى تعوق النمو والاستقرار الاقتصادي بالدولة، لما لها من اثار سلبية خطيرة سواء اقتصادية او اجتماعية، وتمثل تحديات قوية فى عرقلة مسار الاصلاح الاقتصادي المستدام والمنشود. 

تساؤلات البحث :

يكمن التساؤل الرئيسي فى مدى قدرة الاقتصاد المصرى على مواجهة معدلات ارتفاع التضخم من خلال سياسات استهداف الضخم؟

1-   وما هو التضخم وما هى معدلات التضخم بمصر وما الأثار الاقتصادية  الناتجة عن ارتفاع معدلاته؟

2-           ما هى سياسة استهداف التضخم ؟

3-           وما دور السياسات النقدية والمالية فى استهداف التضخم فى مصر ؟

أهداف البحث :

تتمثل اهداف البحث في بيان مدى جدوى سياسات استهداف التضخم من خلال ادوات السياسة النقدية والمالية التى تنتهجها السلطات النقدية فى احتواء الاثار السلبية لارتفاع معدلات التضخم.

 

أهمية البحث :

تتمثل اهمية البحث في كونه يقدم توضيح لأثر ارتفاع التضخم على الاقتصاد المصري مع تقديم توصيات من اجل المساعدة فى اتخاذ القرارات الملائمة.

 

خطة البحث :

تتمثل خطة البحث فيما يلي :

1-           معرفة أهمية سياسة استهداف التضخم.

2-           معرفة ادوات السياسات النقدية والمالية فى استهداف التضخم.

أولا: مشكلة التضخم فى مصر :

1-           مشكلة التضخم :

يعتبر التضخم من اكبر المشكلات والتحديات الاقتصادية التى تواجه الاقتصاديات المعاصرة، لأنه يؤدي لانخفاض قيمة الدخول الحقيقية نتيجة انخفاض قيمة النقود وانخفاض قوتها الشرائية وارتفاع مستوى الأسعار بسبب زيادة الطلب الكلي على العرض الكلي للسلع والخدمات، ويحدث تضخم النفقات نتيجة ارتفاع الأجور واسعار المواد الخام والأولية وعوامل هيكلية تتمثل في ضعف بنيان العرض عن مواكبة الزيادات في الطلب بسبب عدم مرونة الجهاز الإنتاجي.

2-           معدلات التضخم فى مصر :

حسب تقرير البنك المركزي المصري الصادر فى 15 اكتوبر 2024، والذى أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء فى 9 اكتوبر 2024، ان  معدل التضخم السنوي قد تسارع في المناطق الحضرية في مصر للشهر الثالث على التوالي ليصل إلى 26.5% في أكتوبر 2024 مقارنة بنسبة سبتمبر البالغة 26.4%.

ويعتبر هذا المعدل هو الأعلى منذ يونيو، كما أنه يتجاوز بكثير النطاق المستهدف من لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي البالغ 5-9% خلال عام 2024. 

وقد ازدادت معدلات التضخم مؤخراً بشكل رئيسي بسبب الزيادات الحادة في أسعار الوقود بمتوسط 9.2% في أكتوبر، بعد زيادة تتراوح بين 10-15% في أواخر يوليو، وبسبب الارتفاع الكبير في تعريفات الكهرباء بنسبة تتراوح بين 21-31% خلال أغسطس وسبتمبر، مما انعكست اثاره السلبية فى ارتفاع اسعار مختلف السلع والخدمات.

 

3-           الاثار الاقتصادية للتضخم:

 مشكلات التضخم في مصر تعود الي عجز الموازنة في الاساس، فالموازنة العامة للدولة لازالت حتي الان تعكس ارتفاعا في عددا من بنود الانفاق مثل الأجور و مدفوعات خدمة الدين مما يقلص من مساحة الوفر المالي الذي كان من المفترض ان يوجه الي الانفاق علي الصحة و التعليم والبحث العلمي.

الى جانب تاثير ذلك على ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستويات الأجور بسبب انخفاض القوة الشرائية للعملة وارتفاع الاسعار مما كان له اشد الاثار الاجتماعية السلبية على الأسر المصرية.


ثانيا: سياسة استهداف التضخم :

1-              مفهوم سياسة استهداف التضخم :

ليس هناك تعريف محدد لسياسة استهداف التضخم لأنه يعد من المفاهيم الاقتصادية الحديثة بسبب تطور اسلوب ادارة البنوك المركزية للسياسات النقدية، ولكن هناك تعريف شامل وهو :

مفهوم سياسة استهداف التضخم هو اعلان السلطة النقدية عن هدف رقمي محدد لمعدل التضخم خلال فترة زمنية معينة. 

ويتضح أنه من أجل نجاح السياسة النقدية في استهداف التضخم فإنها تحتاج إلى عدة متطلبات أساسية يجب توافرها ومن أهم هذه المتطلبات تحقيق الانضباط المالي وإن السياسة النقدية لن تنتج دون دعم من السياسة المالية حيث ضرورة التنسيق بين السياسة النقدية والمالية.

2-    دور السياسات النقدية فى استهداف التضخم فى مصر :

تعد السياسة النقدية إحدى أدوات السياسة الاقتصادية في مصر مع السياسة المالية، والتي تستخدمها الدولة لتحقيق الاستقرار في المستوى العام للأسعار، وتحقيق مستويات مرتفعة من النمو الاقتصادي، والحفاظ على استقرار العملة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاحتياطي الاجنبي وتكمن أهمية السياسة النقدية في قدرتها على التحكم في المعروض النقدي، وسعر الفائدة، وسعر الخصم. 

ويعتبر قانون 194 لسنة 2020 الخاص بالبنك المركزي خطوة هامة لإرساء سياسة استهداف التضخم.

حيث يهدف البنك المركزي المصري من خلال هذا القانون إلى تحقيق سلامة النظام النقدي والمصرفي واستقرار الأسعار، في إطار السياسة الاقتصادية العامة للدولة وفقا لقانون البنك المركزي والجهاز المصرفي رقم 194 لسنة 2020.

وبناءً على هذا القانون يلتزم البنك المركزي بتحقيق على معدل تضخم منخفض ومستقر على المدى المتوسط والحفاظ على هذا المعدل، وذلك من خلال :

أ‌)  وضع السياسة النقدية وتنفيذها، وإصدار الأوراق والأدوات المالية بما يتناسب مع طبيعة أمواله ونشاطه والدخول في عمليات السوق المفتوحة.

ب‌)    وضع نظام وسياسة سعر الصرف الأجنبي وتنفيذها، وتنظيم سوق الصرف الأجنبي ورقابته.

حيث بدأ البنك المركزي المصري تطبيق سياسة التشديد النقدي منذ مارس 2022، استجابةً للتداعيات الاقتصادية التي فرضتها الحرب الروسية-الأوكرانية. فقد أدت هذه الحرب إلى زيادة معدلات التضخم العالمية وارتفاع أسعار السلع، نتيجة اضطرابات سلاسل الإمداد. وكان لهذه التحديات تأثيرات سلبية ملحوظة، خاصةً على الاقتصادات النامية والأسواق الناشئة، ومن أبرز التداعيات التي واجهتها هذه الاقتصادات، خروج الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل (الأموال الساخنة) بحثًا عن معدلات فائدة أعلى في الأسواق التي تبنّت سياسات التشديد النقدي، مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا.

هذا التحول زاد من الضغوط على الاقتصاد المصري؛ مما استدعى استجابات نقدية مدروسة لضمان الاستقرار المالي والحد من تأثيرات التضخم المستوردة.

ومن خلال سياسات استهداف التضخم، يسعى البنك المركزي إلى تحقيق التوازن بين دعم النمو الاقتصادي وكبح التضخم في ظل بيئة اقتصادية عالمية شديدة التغير.

ومن ضمن تلك السياسات التى ينتهجها البنك المركزي لتحقيق استقرار مستويات الأسعار وتحقيق الهدف التشغيلي للسياسة النقدية وهو الحفاظ على سعر العائد على المعاملات بين البنوك لليلة واحدة داخل حدود الكوريدور ، يقوم البنك المركزي المصري بتطبيق أدوات متعددة لإدارة السيولة لدى الجهاز المصرفي لتحقيق الهدف التشغيلي. وتختلف تلك الأدوات وفقا لطبيعتها ولاحتياجات الجهاز المصرفي وأيضا من حيث مدى تكرار استخدامها بشكل يومي او اسبوعي وملائمتها لطبيعة موقف السيولة.

3-    دور السياسات المالية فى استهداف التضخم فى مصر :

السياسة المالية لها مكانة مهمة بين السياسات الاقتصادية الاخرى لأنها تلعب دور كبير في تحقيق التنمية الاقتصادية وذلك من خلال مجموعة من الوسائل والادوات في حالة معالجة التضخم أو الركود الاقتصادي.

 ومن أهم الأدوات التي انتهجتها مصر فى استهداف التضخم هو زيادة الانفاق العام سواء الاستهلاكي او الاستثماري والتنموي، وزيادة حصيلة الايرادات الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي، وتخفيض حجم الدين العام وعجز الموازنة.

ثالثا: مدى فاعلية سياسة استهداف التضخم فى مصر:

تتمتع الدول المتقدمة بقدرات اقتصادية كبيرة فى تطبيق سياسة استهداف التضخم على عكس الدول النامية التى تعاني من مشكلات اقتصادية و اجتماعية تحول بينها وبين توفير متطلبات ومعايير تطبيق سياسة استهداف التضخم، من هذه المعوقات ما يلي :

1- عدم توافر الاستقلالية الكافية للبنوك المركزية، وعدم وجود تنسيق بين السلطات التنفيذية لتطبيق السياسات المالية والنقدية مما يسبب نمو حجم العجز فى الموازنة العامة للدولة وينتج عن ذلك المزيد من الاصدارات النقدية لتغطية العجز من جهة ويرتفع معدل التضخم من الجهة الاخرى.

2- ضعف البنية التحتيه التكنولوجية والتقنيات المتطورة والتى تمثل احد المتطلبات والمعايير الاساسية لتطبيق سياسة استهداف التضخم، مما ينتج عنه صعوبة التنبؤ بدقة بمعدلات التضخم وكذلك تحقيق المعدل المستهدف.

توصيات البحث:

1- ضرورة العمل على ازالة جميع معوقات تطبيق سياسة استهداف التضخم من خلال توفير كافة متطلبات ومعايير اللازمه لتطبيق تلك السياسة.

2- ضرورة العمل على تحسين البنية التحتيه التكنولوجيه ومواكبة ادوات واساليب التقنيات المتطورة الحديثة بصفه مستمرة.

3- ضرورة العمل على تطبيق سياسة اقتصادية تستهدف النمو الاقتصادي والتضخم معا.

4- يجب ان تتعاون السلطات النقدية والمالية والاجهزة الرقابية والتنفيذية من خلال التنسيق الملائم و وضع الاجراءات التى تحد من الارتفاع المستمر فى المستوى العام للاسعار.



([1]) موقع البنك المركزي المصري، بيانات التضخم، اكتوبر2024 .

([2]) موقع الجهاز المركزي للتعبئه والاحصاء، معدلات التضخم، اكتوب2024 .

([3]) اسماعيل احمد الشناوي، استهداف التضخم والدول النامية، مجلة كلية التجارة للبحوث العلمية، العدد الثاني، مجلد 41، ص9، 2004.

([4]) محمد احمد عيد، السياسات الاقتصادية ودورها فى معالجة مشكلة التضخم فى مصر، مجلة السياسة والاقتصاد، معهد التخطيط القومي، العدد 21، مجلد 22، ص ص312-359، 2024.

([5]) " الكوريدور" هو سعر العائد على الايداع والاقراض (أسعار الفائدة لليلة واحدة) وهو نطام استحدثه البنك المركزي في 2 من يونية عام 2005 ويشمل هذا النظام تعيين سعرين للفائدة في ليلة واحدة في تعامل المركزي مع البنوك الاخرى أحدهما للايداع وآخر للاقراض، ولجنة السياسة النقدية بالمركزي هي التي تحدد سعر الكوريدور.

 

([6]) ابادير واخرون، السياسة النقدية واستهداف معد التضخم مع الاشارة لمصر، المجلة العلمية للبحوث والدراسات التجارية، جامعة حلوان، المجلد34، العدد4، ص ص 49-50, 2020.

 

تعليقات

التنقل السريع